في خطوة اعتُبرت تاريخية واستراتيجية لصالح الاقتصاد التونسي، أعلنت بعثة الاتحاد الأوروبي في تونس أن المفوضية الأوروبية اعتمدت يوم 24 جويلية 2025 لائحة تنفيذية جديدة تُحدد شروط تطبيق القواعد التفضيلية على واردات بعض المنتجات النسيجية والملابس من تونس إلى السوق الأوروبية. ويُعدّ هذا القرار تحوّلًا نوعيًا في علاقات الشراكة بين الطرفين، خاصة في ما يتعلق بقطاع النسيج، أحد أبرز محركات التصدير والصناعة في تونس.
خلفية القرار: ما الذي تغير في قواعد المنشأ
يشير البيان الصادر عن بعثة الاتحاد الأوروبي إلى أن هذا الإجراء يُستند إلى مراجعة البروتوكول 4 من اتفاق الشراكة المبرم بين الاتحاد الأوروبي وتونس، وبالخصوص إلى قواعد المنشأ الموحدة المنبثقة عن اتفاقية “بان-أورومتوسط”. وقد تم إدخال استثناءات جديدة على القواعد التقليدية، تسهّل منح المنتجات التونسية صفة “منتج ذو منشأ تونسي”، وهو ما يسمح لها بالولوج إلى السوق الأوروبية دون رسوم جمركية.
ما هي المنتجات المشمولة باللائحة الجديدة؟
تشمل الاستثناءات التفضيلية منتجات نسيجية متنوعة تعتبر من الصادرات الرئيسية لتونس، مثل:
- سراويل الجينز (3.220.000 سروال رجالي و1.515.000 سروال نسائي سنويًا)
- القمصان والتيشيرتات
- الفساتين
- الملابس الداخلية وملابس السباحة
- ملابس العمل
وقد تم اعتماد قاعدة “التحويل البسيط“، حيث تُعتبر عملية قص القماش وتفصيله كافية لاعتبار المنتج “صُنع في تونس”، ما يُسقط شرط الاعتماد الكلي على مواد أولية محلية أو أوروبية.
أثر رجعي يُعزز المكاسب
من أبرز ما يميز هذا القرار هو أنه يُطبّق بأثر رجعي اعتبارًا من 22 جانفي 2025، مما يتيح للمؤسسات التونسية استرجاع مبالغ جمركية كانت قد دُفعت في وقت سابق. وقد رحّبت الجامعة التونسية للنسيج والملابس بهذا الإجراء، واعتبرته “خطوة كبيرة لصالح القطاع” و”إجراء استراتيجي يعزز التنافسية في السوق الأوروبية”.
خمس سنوات من الإعفاءات: فرصة لإعادة هيكلة القطاع
يمتد تنفيذ هذه الحصص السنوية التفضيلية على مدى خمس سنوات، ما يمنح الشركات التونسية أفقًا زمنياً كافيًا لإعادة تنظيم سلسلة الإنتاج والتزود بالمواد الأولية. ويمثل هذا القرار فرصة ذهبية لإعادة توجيه جزء من السوق نحو أوروبا على حساب منافسين تقليديين من آسيا وشمال إفريقيا.
المرونة كمبدأ: نظام مزدوج للاستفادة
من المهم الإشارة إلى أن هذا النظام التفضيلي لا يُلغي القواعد الأصلية للبروتوكول 4، بل يُضاف إليها كخيار بديل. حيث يُمكن للمنتجين الذين يستوفون المعايير التقليدية لقواعد المنشأ، الاستفادة من الإعفاءات بغض النظر عن الكميات المصدّرة، في حين يتمتع الآخرون بنظام الحصص المرنة.
الأبعاد الاقتصادية والتجارية للقرار الأوروبي
يمثل هذا القرار الأوروبي:
- اعترافًا بدور تونس كشريك صناعي أساسي في مجال النسيج
- آلية دعم غير مباشرة للاقتصاد التونسي في ظل تحديات تمويلية ومالية
- رافعة تنافسية تُعزز مكانة تونس كمزود معتمد للأسواق الأوروبية
كما يُمكّن المصنعين التونسيين من تنويع مصادر التزود بالمواد الأولية من خارج أوروبا، ما يُسهم في تقليص التكاليف وتحسين هوامش الربح، دون الإخلال بشروط الإعفاء.
هل سيتحقق الأثر المرجو؟
يبقى نجاح هذا القرار رهينًا بعدة عوامل:
- مدى استعداد المؤسسات التونسية لاستغلال هذه المرونة
- توفير الدعم الفني واللوجستي من قبل الدولة ومراكز التكوين
- تعزيز الرقابة لضمان احترام قواعد المنشأ وتجنّب التجاوزات التي قد تُعرض الامتيازات للتجميد
خاتمة: خطوة في الاتجاه الصحيح… فماذا بعد؟
في ظل التحديات الاقتصادية التي تواجهها تونس، يُعدّ هذا القرار الأوروبي بمثابة دفعة قوية لقطاع النسيج، أحد أعمدة الاقتصاد الوطني. وإذا تمّ استثماره بذكاء، فقد يُساهم في خلق مواطن شغل، وتحقيق استقرار اجتماعي، وجذب استثمارات جديدة. لكن تبقى مسؤولية الدولة والمصنعين مشتركة لضمان ديمومة هذه المكاسب وتحويلها إلى نتائج ملموسة على الميدان.